اللواء محمد إبراهيم الدويرى: الحكومة الإسرائيلية أسقطت خيار السلام مع الفلسطينيين

قال اللواء محمد إبراهيم الدويرى، نائب المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن الحديث الموضوعي بشأن العمليات العسكرية الأخيرة والتى لازالت تدور رحاها بين حركة حماس وإسرائيل سوف يظل قاصراً إذا لم نتعمق فى مسببات هذه الأحداث التى بدأنا نشاهد تطوراتها المأساوية بين الجانبين منذ عام 2008 وحتى عام 2023 تلك الفترة التى شهدت ستة حروب بفواصل زمنية متقاربة، إلا أننا لايمكن أن نتجاهل الطبيعة المختلفة للعمليات الحالية بين الطرفين والتى إنفجرت بدأت يوم 7 أكتوبر الحالى والتى لازالت نهايتها خارج نطاق التوقعات المنطقية.


 


وأضاف في مقال له عبر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية مع تصاعد حدة التوتر الحالى غير المسبوق على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية، فإن الأمر يقتضى أن نعود إلى الموقف المصرى الذى حرص منذ فترة طويلة على أن يحذر بشكل مباشر ويؤكد مراراً على أن المنطقة لن تشهد الإستقرار المنشود إلا فى حالة التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية إستناداً على مبدأ حل الدولتين الذى تبناه المجتمع الدولى كله، والذى يعنى قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على خطوط 67 وعاصمتها القدس الشرقية تعيش فى أمن وسلام وإستقرار بجوار إسرائيل، وأن هذا الحل يجب أن يتقرر من خلال المفاوضات السياسية، إلا أن العالم لم يبدى الإهتمام الملائم والمطلوب لهذا الموقف المصري.


 


وتابع لا يمكن لأي شخص منصف أن يعارض هذا الموقف المصرى الذي يتماشى تماماً مع الموقف الدولى، حيث أن خبرة مصر العميقة فى التعامل مع إسرائيل سواء خلال فترات الحرب الطويلة أو حالة السلام قد فرضت على الدولة المصرية أن تسعى بكافة الوسائل إلى التأكيد على ضرورة التوصل إلى حل سلمى للقضية الفلسطينية حتى لاتصل الأمور إلى حالة من التدهور سوف يكون من الصعب معالجتها، وللأسف الشديد نحن نعيش فى ظل هذا المناخ الصعب.


 


ولفت فى نفس الوقت فإن الواقع يشير إلى أن إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة وخاصة الحكومة الحالية برئاسة “ناتانياهو” أسقطت خيار السلام مع الفلسطينيين من أجندتها وإعتمدت  بل وراهنت على سياسة التطبيع مع بعض الدول العربية بإعتبار أن هذا التطبيع يعد كافياً لإقرار السلام فى المنطقة دون حل القضية الفلسطينية، كما سارعت هذه الحكومة إلى تنفيذ العديد من مخططات الإستيطان فى الضفة الغربية والقدس، بالإضافة إلى الإجراءات المختلفة التى تقوم بها من إعتقال وقتل وهدم المنازل وإقتحام المخيمات والمدن الفلسطينية وتهجير السكان والإقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى دون أى رادع بل أن هذه الإقتحامات تتم بدعم ومشاركة  بعض الوزراء فى الحكومة الإسرائيلية الحالية، ولاننسى أيضاً العمليات العنيفة والمتكررة  التى يقوم بها المستوطنون الذين يقطنون فى مستوطنات الضفة الغربية ضد السكان الفلسطينيين .


 


وأكد هنا لابد أن أطالب إسرائيل بتقديم ما يمكن أن أسميه “كشف حساب” حول موضوع السلام وأن تظهر لنا أية خطوة تكون قد إتخذتها فى أى وقت لصالح عملية السلام وماهى رؤيتها لهذا السلام من أجل تخفيف حدة التوتر المتواصل مع الفلسطينيين، بل أن الواقع يؤكد أن كافة خطواتها تشير إلى أن مسألة إقامة الدولة الفلسطينية وهو الحل الذى يطالب به العالم أصبح من وجهة النظر الإسرائيلية من المستحيلات وأن أقصى مايمكن أن تقدمه للفلسطينيين لا يتعدى أن يكون نوعاً من الحكم الذاتى لكيان لايتمتع بأية إستقلالية أو سيادة، كما أن كافة السياسات الإسرائيلية تشير أيضاً إلى أنها تقوم بعملية تدمير تدريجى للسلطة الفلسطينية المعتدلة .


 


وأوضح أنه فى ظل هذا المناخ شديد السلبية والإحباط، بدأ الفلسطينيون يفقدون كل آمالهم فى أن تكون لهم دولة مستقلة يعيشون فيها مثل أى شعب فى العالم، بل أن تلك الإجراءات التى تقوم بها إسرائيل أصبحت بمثابة رسالة واضحة للغاية مفادها أن معادلة الوضع الراهن على الأرض والضم المتواصل لن تتغير وأن على الفلسطينيين أن يقبلوا هذا الواقع رغماً عنهم، وهنا لابد أن أثير السؤال المنطقى ومفاده ماهو المطلوب من شعب يرزخ تحت الإحتلال وتنغلق أمامه كل فرص الحياة الكريمة ووصل إلى حالة من اليأس؟


 


ولفت أنه فى الجانب المقابل فقد إنتهجت السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس “أبومازن” كل الخطوات المعتدلة فى إتجاه دعم عملية السلام وأبدت العديد من أوجه المرونة وقبلت كافة القرارات الدولية التى تساهم فى حل القضية ولم ترفض فى أية مرحلة أن تستأنف المفاوضات الجادة التى تحقق الأهداف المرجوة وليس مجرد المفاوضات الشكلية التى تعد مضيعة للوقت والجهد، ولعلى هنا أشير إلى أن السلطة الفلسطينية رغم كل ذلك لم تتوقف عن مواصلة التنسيق الأمنى مع إسرائيل إلا فى فترات محددة وفى ظل ظروف صعبة للغاية.


 


وتابع فيما يتعلق بحركة حماس فلابد أن نعترف بأنها سيطرت على قطاع غزة منذ منتصف عام 2007 وطردت السلطة الشرعية، وهى لا زالت تتحكم فعلياً فى كل مقدرات القطاع، وبالرغم من توقيع حماس إتفاق المصالحة فى القاهرة فى مايو 2011 مع كافة الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، إلا أنها لم تتجاوب حتى الآن مع الجهود المصرية لإنهاء الإنقسام، وكان من المفترض عليها أن تعلى المصالح العليا للشعب الفلسطينى فوق المصالح الحزبية الضيقة وتقوم بتقديم كافة التنازلات المطلوبة لإعادة اللحمة الفلسطينية المفقودة منذ أكثر من ستة عشر عاماً بإعتبارها السلطة الحاكمة فى قطاع غزة، إلا أنه للأسف لم تقم بذلك .


 


وأكد أنه ليس من المنطق أن نلقى باللوم على الأطراف المباشرة فقط وتحميلها مسئولية الوضع الراهن، حيث أن هناك تقصيراً واضحاً من المجتمع الدولى بصفة عامة ومن الولايات المتحدة بصفة خاصة، حيث لم نشهد على مدار سنوات طويلة أى تحرك دولى جاد لحل القضية الفلسطينية لدرجة أن الإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية التى تعلن تبنيها لمبدأ حل الدولتين لم تتحرك قيد أنملة لتنفيذ هذا المبدأ وإقتصر تحركها على بعض زيارات للمسئولين الأمريكيين للمنطقة وإطلاق بعض التصريحات الإيجابية التى ليس لها أى تأثير يذكر على مجريات الأحداث، بل أن تحيز واشنطن لإسرائيل كان أحد العوامل الرئيسية التى دفعت إسرائيل لمزيد من التشدد، كما ركزت واشنطن أيضاً على مسألة التطبيع الإسرائيلى العربى وبذلت كل الجهد فى هذا المجال مع التجاهل التام لبذل أى جهد لحل القضية الفلسطينية المركزية .


 


وأشار إذا تطرقنا إلى العمليات العسكرية الأخيرة بين حماس وإسرائيل والتى تسببت فى نتائج أقل مايقال عليها أنها كارثية للطرفين، فإننى لا أرغب فى الخوض فى تحليل هذه الأحداث حيث أن الخبراء الإستراتيجيين من كل أنحاء العالم سارعوا إلى الإدلاء برؤاهم ووجهات نظرهم فى هذا الشأن، ومن ثم لاداعى أن أقوم بتكرار هذه التحليلات المتوافرة على مختلف الفضائيات، ولكن فى رأيى هناك ست نقاط هامة أود أن أشير إليها فى هذا المجال وهي كما يلي: –


 


النقطة الأولى: أن الأحداث الحالية جاءت نتاجاً لتراكم سنوات طويلة من الصراع بين الطرفين ولاسيما منذ عام 2008 والذي شهد آلاف الضحايا والمصابين من الجانبين، بالإضافة قيام إسرائيل بتدمير متتالي لقطاع غزة الذي تحاصره فعلياً.


 


النقطة الثانية: أن حركة حماس تسعى إلى أن تؤكد أنها وحدها القادرة على مواجهة السياسات الإسرائيلية فى الضفة الغربية والقدس وخاصة بالنسبة لإقتحامات المسجد الأقصى، وأن ماتقوم به هو مجرد رد فعل.


 


النقطة الثالثة: أن مسألة قتل المدنيين العزل فى أى مكان فى العالم هى مسألة غير مقبولة مهما كانت المبررات أو كان الطرف الذي يقوم بعملية القتل.


 


النقطة الرابعة: أن العملية الحالية لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، حيث أنه من المتوقع أن نشهد عمليات أخرى قد تكون أكثر عنفاً خلال الفترات القادمة مادمنا أصبحنا أسرى للوضع السياسى الحالى ولانرغب أو لا نستطيع تغييره ولو حتى جزئياً.


 


النقطة الخامسة: أن حماس مطالبة – بعد أن تهدأ الأوضاع – بأن تمنح جهود المصالحة المصرية الفرصة للنجاح حتى تعود الأمور إلى نصابها حيث أن الشعب الفلسطينى وخاصة سكان قطاع غزة هم الذين يعانون ويدفعون فى النهاية فاتورة الانقسام والحروب.


 


النقطة السادسة: أن على كل طرف من الطرفين أن يعيد حساباته فى ضوء نتائج هذه الأحداث وطبيعة النتائج التى نجمت عنها بإيجابياتها وسلبياتها وخاصة الحجم الكبير للغاية للخسائر البشرية والمادية ومدى تأثيرها الحقيقى على الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي الذي لا مفر أمامهما في النهاية سوى أن يعيشا جنباً إلى جنب.


 


وفى ضوء ما سبق فإن الأحداث الأخيرة مهما كانت نتائجها يجب ألا تغلق الطريق تماماً أمام أية فرصة لإعادة الإستقرار للمنطقة وبعث الأمل للشعب الفلسطينى فى إمكانية حصوله على أقل حقوقه بأن تكون له دولته المستقلة، أما أن نظل ندور فى حلقة مفرغة من الإجراءات المتطرفة والتصريحات الجوفاء والعمليات العسكرية المتكررة فإن علينا أن ننتظر الأسوأ خلال المرحلة المقبلة.


 


ووجه لكافة الأطراف بلا استثناء وهي دعونا نسلك ولو لمرة واحدة وبشكل جاد طريقاً آخر غير طريق العنف والحروب، وأن نسعى للتحرك فى مسار التسوية السياسية ونستأنف المفاوضات المتوقفة منذ عشر سنوات ونرى ماذا يمكن أن يسفر عنها من نتائج، وليس أمامنا أى مجال سوى أن نجتهد فى مسار السلام رغم صعوبته الشديدة وألا نركن إلى مسار الحروب التى لن تؤدى إلا إلى نتائج كارثية ليس على الحكومات ولكن على الشعوب التى تدفع بمفردها فاتورة الحكومات المتطرفة والحقوق المسلوبة.



المصدر

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق